البنية التحتية ومراكز البيانات

3 مفاتيح لفهم التأثير الحقيقي للمحتوى بعيدًا عن الجاذبية الزائفة

3 مفاتيح لفهم التأثير الحقيقي للمحتوى بعيدًا عن الجاذبية الزائفة

بالأمس، كنتُ أراجع المقالات التي كتبتها خلال الفترة السابقة ونُشرت على مدونة الشركة. وكان عددها يتجاوز الخمسين. كنت أبحث عن جزئية معينة، احتجت لمراجعتها فوجدت عناوين المقالات كلها من عينة "5 أسرار مذهلة لم تكن تعرفها"، "9 حيل سحرية لم يخبرك بها أحد"، "5 طرق ذكية ستغير طريقة تفكيرك". فوجدتني مضطراً لفتح كل مقال وقراءته لأعرف محتواه، مع أني أنا من كتبه، حتى وجدتني أسأل نفسي "هو أنا كنت بادَوَّر على إيه؟"

وهنا بدأتُ أطرح على نفسي سؤالًا بسيطًا: هل كل محتوى يجب أن يكون جذّابًا بصريًّا وعنوانه مشوّق؟ أم أن هناك نوعًا آخر من المحتوى لا يسعى لجذبك ولكنه يُحدث تأثيرًا حقيقيًّا؟ وكان هذا المقال محاولة للإجابة…

حتى مع وجود المَثل "الجواب بيبان من عنوانه"،فإن الجاذبية اللحظية للعناوين لا تصنع التأثير طويل المدى. قد يكون عنوان المقال جذّابًا للغاية، لكنه لا يحمل مضمونًا يستحق القراءة. أما المحتوى الهادئ، الذي لا يصرخ لجذبك، فقد يترك أثرًا لا يُمحى في داخلك.

  • الكاتب الفعّال لا يكتب ليُثير انتباهك فحسب، بل ليناقش فكرة. تستحق المناقشة.
  • محركات البحث تفضّل كلمات مفتاحية واضحة، لكن عقل القارئ يبحث عن روابط منطقية وأفكار مؤثرة.

وهنا يُطلّ علينا مفهوم "التأثير الحقيقي للمحتوى" كقيمة تتجاوز أرقام القراءة والمشاركات، وتصل إلى العمق النفسي والمعرفي.

ابدا مشروعك الأن

واحدة من الشركات الرائدة في تقديم الاستشارات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والحلول

المفتاح الثاني: المحتوى الصامت يُخاطب بصمت ما بداخلنا

ليست كل المقالات بحاجة إلى عناوين صاخبة وصور براقة. أحيانًا، يكون الصمت أكثر تأثيرًا من الضجيج.

  • عندما يقرأ القارئ مقالًا يلمس شيئًا عميقًا فيه، دون مؤثرات أو صياغات مثيرة، فهو يعيش تجربة "فهم"، لا "تصفّح".
  • النص الهادئ يهمس بالفكرة، دون أن يصرخ بها.

وأحيانًا، يكون أعظم أثر للمحتوى هو قدرته على جعلك تقول في نفسك "دي أول مرة أفكر فيها بالشكل ده!"

وهنا يظهر بوضوح التأثير الحقيقي للمحتوى كقوة ناعمة تخترق بالفكرة لا بالشكل.

تحدي الخوارزمية: من يكتب لمن؟

بعد أن تحدثنا عن التأثير الحقيقي للمحتوى و المحتوى الذي يهمس بالفكرة ويصنع تأثيرًا عميقًا، يبرز تساؤل مهم في عالمنا الرقمي: كيف يمكن لمثل هذا المحتوى الهادئ أن يجد طريقه إلى القارئ في ظل هيمنة قواعد محركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي؟

دعني أوضح أولاً ما المقصود بـ "الخوارزمية" و "SEO" ولماذا تؤثر على أسلوب الكتابة؟

الخوارزمية ببساطة هي مجموعة من التعليمات والآليات التي تعتمدها المنصات الرقمية—مثل محركات البحث (كجوجل) أو مواقع التواصل الاجتماعي—لتحديد المحتوى الذي يظهر أولًا للمستخدمين. هي لا تقرأ الأفكار، ولا تهتم بصدق الكاتب أو عمق المعنى، بل تقيّم المقالات بناءً على عناصر محددة مسبقًا: عدد الكلمات المفتاحية، طول الفقرات، بنية العناوين، وغير ذلك من المؤشرات الشكلية.

أما "تحسين محركات البحث" أو ما يُعرف بـ SEO، فهو مجموعة من القواعد التي يتّبعها الكاتب ليجعل محتواه "مرئيًا" في نتائج البحث. هذه القواعد تشمل تكرار كلمات معيّنة، استخدام عناوين جذّابة، تنظيم المحتوى بطريقة تفضّلها خوارزميات جوجل أو غيره من محركات البحث.

وهنا يكون السؤال: كيف تكتب محتوى صادقًا، نابعًا من فكرة حقيقية، وفي الوقت نفسه لا تصطدم بتلك الشروط التي تفرضها خوارزميات لا تقرأ الفكرة، بل تحلل الشكل؟

دعني أبوح لك بسرّ صغير يؤرّقني ككاتب: في كثير من الأحيان، هو أني لا أكتب المقال بحرية مطلقة، بل أعمل كما لو كنت مراقبًا لا من جهة تحريرية، بل من خوارزمية تحكم حركة المحتوى.

الخوارزمية تُريد كلمات مفتاحية متكرّرة، تُفضّل العناوين الرقمية، وتُرشّح المقالات التي تتبع نمط "5 خطوات مذهلة" أو "7 أسرار رهيبة". وأنا؟ قد لا أحتاج لتكرار الكلمة المفتاحية بهذا العدد! لكنني أفعل ذلك كي أضمن الوصول، لا لأنني أراه مفيدًا للقارئ.

هل أصبح الكاتب عبدًا للمعادلة؟ هل نكتب للإنسان أم للآلة؟ وهل يؤثّر هذا في صدق الرسالة وسلامة الفكرة؟

في لحظات كثيرة، أشعر أنّني أكتب وأنا أنظر جانبًا للشاشة، كأنني أسمع صوتًا يقول: "اكتبها بطريقة تجيب ترافيك، مش بأسلوبك!"

ولكني أعود لأقول لنفسي، وللقارئ: التأثير الحقيقي للمحتوى لا تُحدّده الخوارزمية، بل عقل من يقرأ وفكر من يكتب.

المفتاح الثالث: هل نكتب لنُعجِب، أم لنُغيّر؟

ما الهدف من المقال؟ هل هو الحصول على الإعجاب والمشاركة؟ أم تحفيز القارئ على التفكير وإعادة تقييم رؤيته؟

  • المحتوى الحقيقي لا يلاحق الإعجاب، بل يسعى للطرح والتحليل.
  • لا بأس أن تصل المقالة إلى عدد قليل من القرّاء، ما دامت غيّرت شيئًا في داخلهم.

ومرة أخرى، نتوقّف أمام العبارة الأهم "التأثير الحقيقي للمحتوى" هو أن يُحدث تغييرًا لا يراه الجميع، لكنه يُشعر به من يقرأ.

خاتمة: لنُعيد تعريف النجاح في الكتابة

هناك محتوى لا يريد جذبك لكنه يلمسك بصمت، ويترك داخلك فكرة حيّة وهذا هو التأثير الحقيقي للمحتوى

"يعني كل حاجة لازم تبقى رهيبة؟ طب والهادئ؟ مالوش مكان؟" هكذا أقول أحيانًا، بيني وبين نفسي، وأنا أكتب مقالًا جديدًا لا يبدأ بـ "5 خطوات ساحرة".

ربما حان الوقت لنكتب بصدق، لا بسحر. لنجعل التأثير الحقيقي للمحتوى هو هدفنا الأول، والباقي يأتي لاحقًا.

ابدا مشروعك الأن

واحدة من الشركات الرائدة في تقديم الاستشارات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والحلول